العمود الثامن: سلميّة حتى الرمق الأخير

علي حسين 2019/12/12 07:54:35 م

العمود الثامن: سلميّة حتى الرمق الأخير

 علي حسين

المعتصمون فى ساحة التحرير وساحات الاحتجاج ليسوا هم القتلة، كما قال "ببغاء" القيادة العامة للقوات المسلحة عبد الكريم خلف، وكما جاء في بعض التصريحات الصادرة عن الاحزاب المشاركة في الحكم.

لقد بلغ الصراخ والعويل حدا غير مسبوق فى التعامل مع واقعة ساحة الوثبة التي هي مرفوضة ومدانة وليس هناك ما يبررمثل هذا المشهد الشنيع، لكن ان يستعرض الجميع عضلاتهم "السلمية" ويصبوا كل اهتمامهم على ردود الأفعال المتفاوتة على الحادث دون أدنى محاولة للتعرف على نسج روايات وقصص عن هذه الحادثة التي اريد لها ان تشوه بياض الاحتجاجات وصفاء لونها.

لم يتوقف أحد منهم عن حالة التلعثم والارتباك والتخبط التى هيمنت على الخطاب الرسمي بشأن مقتل اكثر من 500 متظاهر، ولم يهتم أحد بكشف غموض ما جرى في الخلاني والسنك، وهل فعلا كما ذكرالسادة الناطقون انها معركة بين مجاميع خارجة على القانون؟ 

تنمو الكراهية وتزدهر في الظلمة، واليوم الظلمة هي الصمت الذي أصبحت فيه مشاهد قتل المتظاهرين بكواتم الصوت، واستخدام السكاكين في تجميل أجساد البشر أمرا عاديا، و"كليبات" الدماء التي تتفنن جهات يراد لها ان تظل مجهولة في بثها لاثارة الرعب في صفوف المتظاهرين.

لا نزال نتحدث عن المؤامرة الاميركية، ونكاد ننشغل كل يوم في مغامرات التحليل السياسي ونتقافز في الفضائيات في برامج فقدت صلاحيتها للاستخدام الآدمي، من أوصلنا إلى مشهد قتل شباب ابرياء في ذي قار والبصرة وميسان وكربلاء والنجف؟، ومن قبله مشاهد مطاردة المتظاهرين في احياء بغداد؟.. لماذا ننسى ان خطابات احزابنا المؤمنة تعلمنا كل يوم ان لاشيء أمضى وأنفع من طعنة نجلاء في أجساد من لا يؤمنون بأفكارنا؟

من كان يصر على حرق خيم المعتصمين وخطفهم؟.. هل تدرون ان في كل قضايا القتل والاختطاف.. لم يُحاسب المتسببون، لأن التقارير الرسمية، تنكر كل ما يقال عن هذا الموضوع وتشتم من يتحدث عنه؟! 

الرغبة الأولى التي يبديها ساستنا، هي انهم يخوضون حروبهم الطائفية في كل اتجاه. وفي كل مرة نراهم يصفّقون بالإجماع لكل قرار يزيد الفرقة ويبث الكراهية في النفوس، كم هو امر مثير للأسى أن يصر البعض على ان اماكن الاحتجاجات تحولت الى بؤر للرذيلة والعهر كما صرح المؤمن عزت الشابندر الذي انشغلت الدولة واحزابها ومعها القضاء بسلامته لانه تأخر يومين في الامارات، ولم تنشغل كل هذه الاجهزة والاحزاب بمصير الشاب المختطف زيد الخفاجي الذي جريمته الوحيدة انه كان يوثق الاحتجاجات!!

منذ انطلاق تظاهرات تشرين والحكومة ومعها احزاب السلطة تريد ان تؤكد للعالم بأن الذي سرق البلاد وخربها واشاع الطائفية والمحاصصة وباع المناصب إنما هو العراقيون المعتصمون ضدها في ساحات الاحتجاج، وأن تحرير ساحة التحرير بات مقدما على تحرير العراق من الفساد والانتهازية، وأن فرض الهيمنة الكاملة على العراقيين له الأسبقية على تأمين مستقبل الشعب والخروج به الى بر الامان.

إن الأبواق التى تشيطن شباب الاحتجاجات في ساحات العراق هي ذاتها التى قدمت العراق على طبق من فضة الى دول الجوار، وهي ذاتها التي تسعى بكل جهد لإسقاط بلاد الرافدين من الذاكرة وتثبيت "الارجنتين" مكانها.

Top