بقلم متظاهر
"الطرف الثالث" كشف عن وجهه واسمه، حيث شهدت ساحات الاعتصام، أمس بالتزامن مع إعلان انسحاب أنصار التيار الصدري، استباحات تكاد تؤشر لنزوع نحو إبادة جماعية، متدرجة لجيلٍ متوثب يريد عراقاً نظيفاً، وطنيا سيداً مستقلاً، بلا طبقة مأجورة للغرباء.
وتحت جنح الظلام، هجمت قوى الجريمة بلباسها العسكري، لحرق خيم المعتصمين وتوجيه الرصاص الحي الى صدورهم، وتطاردهم للإمعان في الجريمة، والنيل من أكبر عددٍ من أبطال الثورة .
لم يعد ينفع الآن الحديث عن طرفٍ ثالث، أو مجهولٍ يصعب الوصول اليه. فالدولة المنحطة كشفت عن قناعها، بوصفها هي وليس غيرها، مجمعاً للقتلة المتمرسين، توزع عليهم الأدوار، وتمدهم بوسائل النيل من الوطن المبتلى، ولم يعد مقبولاً التماهي مع ادعاءات الحكومة ومن بيدهم القرار، في وجود طرف ثالث أو رابع أو مجهول هوية. لا فرق بين من له صفة رسمية أو قائد حزب او رئيس كتلة. فقد بات واضحاً انهم القتلة، من يصدر القرار، ومن يصدر الأوامر، ومن يُشرف على التنفيذ، ومن ينَفِذ. لا تمييز بين قادة الدولة والميليشيات والجريمة المنظمة في الضلوع بالمسؤولية المباشرة عن القتل والحرق والتخريب والاستباحات. فالحدود الفاصلة فراغات وهمية، بين قوات شغب، أو صدمة، وأجهزة أمنية، وميليشيات وقحة. فكلهم شركاء في الجريمة، تجردوا من شرف الانتماء للوطن.
لم تعد نافعةً، التغطية على الطبقة السياسية الحاكمة، أو محاولة التمييز بين أطرافها في الإيغال بدماء العراقيين وأعراضهم. فرئيس الحكومة من صناعتها، ومفاصل الدولة الضاربة طوع بنانها. والحشد تحت قيادتها، مستعدّ ومتأهبٌ لردع المتظاهرين وكسر شوكتهم وتشتيت شملهم، كما صرح منذ البداية وبوضوح قائدها. أما الطرف الثالث المزعوم الموكل اليه، القتل في أطراف الساحات، والاغتيال الجبان من وراء اللثام وبالمسدسات الكاتمة، فيعرفهم بتنظيماتهم وزعمائهم والافراد الموكلة اليهم مهمات القتل والاغتيال والاختطاف. والقائد العام للقوات المسلحة، كما يبدو ، ليس رئيساً لمجلس الوزراء، ولا علم له بما يجري، شاء له الحظ ان يكون في حالة غيبوبة، لا يعرف، ولا يرى، ولايريد أن يسمع ..!
يراهن هؤلاء جميعاً، بمختلف مواقعهم ومسؤولياتهم، على تصفية الانتفاضة. يتوهمون بأن الساحات ليست سوى تجمعاتٍ لشبابٍ غَرٍ، سريع العطب، نزق، رخو الإرادة، قنوعٌ بالفتات. أنهم مجرد طلاب وظيفة، وراكبو موجة عابرة ..!
وينسى قادة الصدفة والرثاثة، أن هؤلاء جميعاً، بلا سلاحٍ، سلميون، يجمعهم على اختلاف مشاربهم وطن مُضاعٌ منتهك، سلاحهم إيمان عميق بقضية عادلة تعيد لهم إنسانيتهم وكرامتهم التي استبيحت بدعاوى شذاذ آفاق، مشردون، طوال ستة عشر عاماً وبضعة أسابيع.
إنهم يعرفون أن كلاً منهم مشروع شهادة. ويدركون أن مصيرهم الشخصي لم يعد هو موضوعاً للتحدي. ويشعرون بقوة لا تُقهر وهم يرفعون فوق رؤوسهم عالياً راية العراق ترفرف فوق رؤوسهم، وتعدهم بنصرٍ مبين.
هؤلاء الشبان والصبايا، يريدون أن يؤكدوا أن تضحياتهم، مهما امتد الزمن "وهو آتٍ ، قريبٍ لا ريب فيه" ستستعيد وطناً، وكرامة، ومستقبلا لن يدعوه يفلت هذه المرة من بين أيديهم التي تتوشم بدماء أقرانهم من الأشقاء والأصدقاء والأقرباء وشركاء قضية الوطن ..!
وهؤلاء الذين حتى وهم يستشهدون، يظلون واقفين لا يدعون الراية تسقط من أيديهم، يعرفون أن من يستهدفوهم بالرصاص الحي، يتسترون
وراء خوفهم وهم يغتالون ويختطفون ويعذبون .!
فالقاتل يتكشف عن جبان ما أن يتجرد من سلاحه.
صدام حسين غطس في حفرة تحيط به نتانة الهزيمة؛
القذافي خرج من بلوعة مجاري يصرخ انا أبوكم .
وفي مشهدٍ لا يُنسى، كان افراد الحرس القومي البعثي عام 1963 يطارد نفسه في الأزقة والطرقات وهو ينزع ملابس جريمته ويرمي سلاحه والناس تلاحقه بالشتائم والسخرية ..
ان رموز الفساد وقادة الميليشيات الوقحة، يستقوون بسلاحهم، ويسخرون من المنتفضين، المكشوفين المجردين من أي سلاح سوى العلم العراقي.!
وهم لخيبتهم وجهلهم ينسون مأثرة غاندي التي انتصر فيها باللاعنف وبالسلمية وهو يهزم جيش الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عنها.
انهم لا يتذكرون الزعيم لوثر كنغ اذ يُلحق الهزيمة في مسيراته السلمية بدعاة التمييز العنصري بكل ما تحت تصرفهم من سلاحٍ وسلطة ومال.. لن تتحقق نبوءة الزاملي بان الساحات ستفرغ.. سيرى أن أبطال أكتوبر، ستضيق بهم الساحات بجموعٍ على امتداد الشوارع والأزقة التي تقود إلى ساحة التحرير .
وسيظل كل عراقي يشعر بالسخط والسخرية من كل من تواطأ ضدهم تحت أي شعارٍ مخادعٍ بإمكانية الإنفراد بهم، وتصفية ثورتهم !..