الحبوبي رمز الاحتجاجات من ثورة العشرين إلى مظاهرات تشرين

الحبوبي رمز الاحتجاجات من ثورة العشرين إلى مظاهرات تشرين

 متابعة الاحتجاج

الساحة المدورة تقع عند تقاطع شارعي النيل والحبوبي وسط مدينة الناصرية يتوسطها تمثال الشاعر محمد سعيد الحبوبي الذي شُيّد عام 1973 واستغرق العمل على إنجازه ستة اشهر قبل ان يوضع وسط الساحة. يقول عبد الرضا كشيش الذي صمم ونفذ نصب الحبوبي وسط الساحة ان "قاعدة التمثال بمساحة اربعة أمتار مربعة فيما يبلغ طوله ثلاثة امتار ونصف إذ يقف الشاعر ماسكا ورقة تمثل رسالة للثائرين على حكم الانكليز في عشرينيات القرن الماضي توصي بعدم الاستسلام والتفاوض لحين التحرير من الانجليز".

الساحة هي اليوم معقل مهم للمنتفضين المطالبين بالتغيير السياسي إذ يحتشد آلاف المعتصمين يوميا، واحاطت بتمثال الحبوبي عشرات السرادق لتقديم جميع الخدمات من الطعام والشراب والمبيت حيث تقام الفعاليات اليومية للتعبير عن مطالب المحتجين.

يقول علي محسن وهو شاب في العشرين من العمر يعتصم داخل المكان ان "التجمع في ساحة الحبوبي يمثل ثورة لجيل جديد يرفض الفساد ويطمح الى حياة كريمة".

ويضيف "ساحة الحبوبي تشكل داعما وعنوانا عرفه الجميع من داخل وخارج العراق بعد الاعتصامات والاضرابات عن العمل في جميع الدوائر الحكومية لحين تحقيق مطالب الراغبين في التغيير نحو الافضل".

ساحة الحبوبي كانت تعرف بـ"عكد الهوى" حيث النسيم الذي يدخل من شمال المدينة نحو جنوبها والذي كان يمثل علامة فارقة للقاء المحبين والعاشقين ومسارا للألفة والتجانس الاجتماعي، والذي كان يضم مختلف الاطياف والاديان والتوجهات وهي اليوم ساحة للتعبير عن المطالبة بالتغيير.

الحاج السبعيني واصف جاسم يتحدث عن عكد الهوى او ما يعرف اليوم بشارع الحبوبي في العقود الماضية ويقول ان "هذا الشارع كان يسجل نبضا مهما لمركز مدينة الناصرية حيث المقاهي ولقاء الاصدقاء والاحبة في امسيات لن تتكرر" وبعد التحول السكاني والعمراني في هذا الشارع مازال الرجل المسن يواصل تواجده مع اجيال المعتصمين لاستعادة تلك الذكريات والحديث عنها.

اما الشاب علي جاسم وهو احد المعتصمين من طلبة احدى الكليات والذي لم يفارق ساحة الحبوبي منذ انطلاق الاحتجاجات، فقد ارتبط مؤخرا بعلاقة غرامية تكللت بالخطوبة من احدى زميلاته المشاركات في الاعتصام والتي كانت تنشد لمؤازرة المعتصمين وتعمل على تقديم الخدمات في خيمة الطلبة المعتصمين كما يقول علي.

وعلى غرار ساحة التحرير في العاصمة بغداد اصبحت ساحة الحبوبي اليوم ايقونة مهمة في مسيرة التحول الجديد في شكل المطالبات الشعبية، من خلال فعاليات اعلامية وزيارات متبادلة للمعتصمين بين بغداد والناصرية في اشارة للتعبير عن التضامن حول الهدف الواحد. الباحث امير دوشي يقول ان "ساحة الحبوبي من الساحات الملهمة للثورات كونها اقترنت باسم الشاعر الكبير محمد سعيد الحبوبي ودوره في ثورة العشرين، إذ سجلت على مدى عقود من الزمن انبثاق الثورات والاحتجاجات والتظاهرات السياسية التي كانت ترفض شكل وطبيعة اداء الانظمة السياسية، وهي اليوم تسجل امتدادا للحس الثوري ذاته". فعاليات عديدة تسجلها يوميات الاعتصام في ساحة الحبوبي منها وطنية واخرى اجتماعية وخدمية وفنية وثقافية، يتسابق عليها المعتصمون لإدامة زخم الاعتصام الذي يراهن على نجاحه الجميع بعدما نصبت حول محيط الساحة عشرات السرادق التي تمثل تنسيقيات الاقضية والنواحي.

الحاجة طوعة السيدة الستينية تقف بحزامها الملفوف على العباءة وهي تقوم بعجن وخبز الطحين لإعداد رغيف ساخن تطعم به المعتصمين تقول "مر أكثر من أربعين يوما وانا على هذه الوقفة لخدمة اولادي المنتفضين وسأبقى معهم لحين حصول التغيير".

اطلاق بالونات وطيور السلام في سماء ساحة الاعتصام وتوجيه رسائل من ارض ساحة الحبوبي الى اعتصامات المحافظات الأخرى، ومتابعة مباريات كرة القدم من شاشات كبيرة ودورات كرة القدم المصغرة ومسابقات للدراجات، هي فعاليات يومية ومشاهد اعتاد عليها الجميع وسط مشاركة واسعة.

عن كل هذه النشاطات وفعاليات ساحة اعتصام الحبوبي يقول الشاب علاء محمد "انها تعبر عن سلمية الاعتصام ورغبة الجميع في المضي بهذه السلمية دون المساس بها كونها تعبر عن ثقافة شعب معروف بتاريخه وجذوره وثقافته". ويضيف "التضحيات التي قدمتها الاحتجاجات في الأرواح تستحق الاستمرار والحفاظ عليها وفاء لمن سقطوا دفاعا عن حقوقهم وحقوق غيرهم".

وفي ظل كل هذه التفاصيل يتواجد الفنان عبد الرضا كشيش في ساحة الحبوبي بين المعتصمين من حين لآخر وهو ينظر بإعجاب لما صنعته يداه إذ يبرز تمثال السيد الحبوبي واقفا وسط جموع المنتفضين من جديد بعد عقود من الزمن فيبدو وكأنه احد ابرز المحتجين على الفساد اليوم.

Top