في ساحات الاحتجاج  أكثر من  امرأة تحمل خبزاً ودموعاً !

في ساحات الاحتجاج أكثر من امرأة تحمل خبزاً ودموعاً !

 رحمة حجة

حملت إحدى المتظاهرات العراقيات، وترتدي عباءة سوداء وشالاً أسود، ورقة كتبت عليها "وجود النساء ثورة فكرية"، كأنها لخصّت كل ما يمكن قوله إزاء المنع أو السخرية أو التقليل من شأن النساء، اللواتي قررن الخروج لميادين التظاهر إلى جانب الرجال.

وفي هذه اللحظة "التاريخية" كما وصفها عديد العراقيين في البلاد، يبدو كأن الزمن انتقل لمرحلة جديدة، تقدم فيها المرأة نفسها كما تريد، لتؤكد أنها شريكة للرجل في كل شيء وبكل الطرق الممكنة.

وأثناء مطالعة صور العراقيات في الاحتجاجات، مطالبات بوطن أفضل للجميع، أحاول نسيان التقارير والقصص ومقاطع الفيديو التي نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وبثت على الفضائيات ونقلت لنا تفاصيل الحياة اليومية لعراقيات داست عليهن القوانين والعادات والتقاليد وأعراف العشائر والتيارات الدينية المتشددة، وأيضاً الإرهاب.

أحاول لخمس دقائق فقط، أن أتأمل المرحلة المقبلة، دون زواج القاصرات، ودون صفقات "المتعة" التي تقوم بها بعض العائلات لبناتها الصغيرات أو تضطر إلى فعلها بعض النساء لتأمين عيش أطفالهن، ودون حرمان الأخريات من التجربة الجامعية، أو اختيار المجال المهني الذي يشغفها.

هل يمكن ألا نرى في المستقبل شتائم بذيئة وتنمراً وجرائم قتل بحق النساء، فقط بسبب ملابسهن؟

أستجمع صور وفيديوهات التظاهرات في عقلي، وأبحث فيها عن النساء، لأرى أكثر مما أردت. لسن منفصلات وحيدات بل جنباً إلى جنب، فرادى ومجموعات، مع الرجال، وينكسر بينهم الجليد، بتقديم المساعدة بعضهمن لبعض، بمجرد ابتسامة أو عبارة "عاشت إيدك" وربما بنظرة واحدة أمام عدسة الكاميرا.

في مقال يجمع قصائد لشاعرات عراقيات شابّات، كتب الشاعر كاظم خنجر "أن تولد امرأة في مجتمع مغلق كالمجتمع العراقي، القائم على الحرام والحلال والشرف وغيرها... فهذه كارثة، أما أن تمارس الكتابة، وتحديداً الشعر هذا يعني أنّك تتحدّى الكارثة"، يلهمني هذا لاعتبار التظاهرات وكل تعبير تختاره المرأة لنفسها، بأنه أيضاً تحدٍ للكارثة.

ويمكنني أن أدعوه "سمواً على الكارثة"، نراه في ضحكة هذه الشابة والطاقة التي تنبعث من وجهها وشد ذراعيها اللتين تحملان العلم العراقي، هذه البهجة بعينها.

حتى العمل الذي يعتبره الكثيرون "بديهياً" وهو من "أدوار المرأة النمطية" مثل تحضير الطعام وعلاج الجرحى، رأيته في العراق تحدياً وشراكة، حيث قامت به النساء وقام به الرجال أيضاً، الذين تعاونوا في تحضير الطعام أو شرائه للمتظاهرين، وتوزيع الخبز والماء والشطائر والعصير.

وعلى قدر ما فيديو مقتل صفاء السراي، على قدر ما بحثت عن شعر مظفر النواب صاحب أشهر عبارة شعرية عن العراق "أن يرجع اللحن عراقياً.. وإن كان حزين"، حيث يعجّ حساب السراي في تويتر بأشعاره. لأصل إلى هذا المقطع من قصيدة "وتريّات ليلية"

قد أعشق ألف امرأة ذات اللحظة

لكنّي أعشق وجه امرأة واحدة

في تلك اللحظة

امرأةً تحملُ خبزاً ودموعاً من بلدي

يرتفع في هذا المقطع الصوت الذكوري عند العاشق، مشابهاً لما نقرأه في قصيدة الشاعر السوري نزار قباني "الرسم بالكلمات"، فعلياً ليس هذا مقصدي الأساس، بل جمالية أن تتحوّل هذه الثنائية لثورة، أن تثور النساء من داخل بيوتهن، ثم يتخطين العتبات، ويقابلن غيرهن من النساء من أمهات وجدّات وشابات وطفلات، وتقتدي الواحدة بالأخرى، ويتصدّر وجه العطاء في مختلف المشاهد.

بهذه الطريقة تجهز الأغطية لإخماد دخان قنابل الغاز الدخانية المسيلة للدموع التي تقذفها قوات الأمن على مدار الساعة منذ اليوم الأول للتظاهرات تجاه المتظاهرين السلميين في بغداد #العراق_ينتفض#العصيان_المدني_العراقي

، قالت إحدى النساء "نحن جزء من الشعب العراقي، ولا يوجد شعب في العالم يسمح باستمرار الفساد والبطالة والفقر وتردّي الخدمات دون القيام بثورة أو الانتفاض.." وتقرر بعضهن إمداد المتظاهرين بالطعام.

إلى ذلك، كتبت الناشطة العراقية إيناس كريم عبر "فيسبوك"، أن المألوف والمعتاد هو حدوث تحرّش في التجمعات المختلطة، خصوصاً بغداد، لكنه لم يحصل في ساحة التحرير، مضيفة "ذهبت لساحة التحرير مرات عدة، لم أر أو أسمع بحالة تحرّش، على العكس، رأيتُ في سلوك الشباب وعيونهم حرصاً وغيرة، وبمجرد أن تصلنا قنابل الغاز المدمع، يركضون نحونا للمساعدة بتقديم البيبسي والخميرة".

وتضيف "حتى ضحكتهم بوجهنا ضحكة تحسها مليانة احترام وتقدير، بالنسبة الي حسيتها ضحكة فخر وفرح بينا لانه وياهم احنا ودنساندهم". ربما تلك الضحكات والبساطة والحريّة التي تعيشها بعض النساء داخل مساحات تهددها النيران هي البشارة، ربما يتبعها انتصار للحقوق والمظلومين وأيضاً تفاهم أكبر بين الذكور والإناث، لبناء مجتمع أكثر أمناً واحتواءً للجميع.

Top