كاسرو الانتفاضة: غياب التنسيق، الانشغال بالتفاصيل، الانفراد بالقرار

متظاهر 2020/01/06 10:18:41 م

كاسرو الانتفاضة: غياب التنسيق، الانشغال بالتفاصيل، الانفراد بالقرار

 بقلم متظاهر

بغض النظر عن إرادة العراقيين، وُضِع العراق في مرمى الاستهدافات. صارت بلاد الرافدين المغلوب على أمرها ساحة اشتباكٍ تجريبيٍ.

وانتقل الصراع من المنازلات السياسية بين المتخاصمين، إلى اعتماد القوة بانتهاك السيادة على المكشوف. بانتظار ما قسمه القدر الضال من ويلاتٍ آتياتٍ، دون تمكينٍ على المواجهة أو تجنب الضربات المتقابلة. 

ليس الشعب العراقي في موقع العداء لإيران، ولا طاقة له على تغيير موازين القوى، أو التأثير على قرارات الولايات المتحدة. وكان طوال ستة عشر عاماً وبضعة أيام متفرجاً سلبياً، بلا قدرة، على التحكم في قرار السلم والحرب، ولا إبرام اتفاقيات امنية، أو استقدام لقوات عسكرية أميركية وسواها. إستسلم لقدره في أن يكون ضحية التقاتل الطائفي، والاستباحات التي انهكته، وبددت قواه وثرواته. صارلوذ العراقيين بالصبر الجميل، وصمت البحر. 

ورغم ذلك بات العراق والعراقيون يدفعون الثمن. آلاف المصابين والجرحى والقتلى، صاروا الضحية والمثل. المَثل على جسارة جيل انبعث من تحت رماد الخيبات والانتهاكات، يفتدي العراق بأعز ما لديه، طلباً لوطنٍ صار رهينة أطماعٍ لا تكتفي بالنهب والتدمير والاستلاب. بل تريد مصادرة الأمل في استشراف ظلال وطن، مرتجى، حتى وإن تأجّل. 

التطورات المتسارعة في الوضع السياسي المتدهور، وضعت الانتفاضة الوطنية أمام تحدياتٍ قد تعرضها الى مخاطر من داخلها إن لم ينتبه لها المنتفضون، اكثر من أي وقت مضى، منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية المطلبية السلمية التي تحولت إلى انتفاضة سياسية جامعة. فالدم الذي أُريق فشل في كسر شوكتهم، وإضعاف إرادتهم. ومع أن الأساليب المخاتلة للنيل من وحدة الساحات وخيمها ظلت تحاول التسلّل الى صفوف المحتجين، سعياً لجرهم الى متاهات معارك جانبية، إلا أن مخاطرمثل هذه المحاولات تزداد بالتلازم مع الاحتقان السياسي، وخلط الأوراق الذي يُراد منه، تأجيج المشاعر وتغليب الكراهية، وتوظيفها لعزل الحراك الشعبي، بتهمٍ جائرةٍ.

فالمنتفضون، هم المطالبون بلا لفٍ أو دوران، بتحرير العراق من كل أشكال الوجود الأجنبي، عسكرياً كان أو سياسياً، دون استثناء. وهم من حمل شعار السيادة والاستقلال الوطني، ورفض الإملاءات الأجنبية وتقييد إرادة الشعب، وإكراهه على خياراتٍ لا تخدم المصالح الوطنية العليا، ولا تجعل من العراق مباءةً لتصفية حسابات الغير وفرض حضوره بقوة السلاح. وبأوضح صيغة يريد كل عراقي وطني شريف، انهاء الوجود العسكري الأميركي، بالتلازم مع حصر السلاح بيد الدولة وحل كل التشكيلات والميليشيات المسلحة، وعزل من يتماهى مع الأجنبي وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير مرتَهنة. وإعادة صياغة قانوني الانتخابات والمفوضية بشراكة مباشرة مع فريق من الأمم المتحدة. تمهيداً للانتخابات المبكرة.

وبلا لفٍ ودوران، يريد العراقيون الوطنيون الشرفاء، غير الملوثين بممالأة الأجنبي، وحمل راياته وشعاراته، الشروع بوضع رموز الفساد امام القضاء، وإماطة اللثام عن قتلة المتظاهرين والمعتصمين واغتيالهم وتعذيبهم، من أصدر القرار منهم، ومن تولى التنفيذ أمام القضاء لنيل جزائه العادل. 

وليستمر زخم الانتفاضة وتتوسع دائرة المشاركين فيها والداعمين لها، لابد الحذر من الذين يريدون، كما أشارت بعض الممارسات الأخيرة، إشغال ساحات الحرية والانتفاض، بتفاصيل جانبية تضعف جوهر الأهداف الجامعة، التي صارت تجسد إرادة العراقيين، سواء تعلقت بالطابع السلمي للانتفاضة، أو مطلبها بترشيح وطني، كفوءٍ، مستقلٍ، نزيهٍ، يمتلك حضوراً وشجاعةً تُمَكنه من قيادة المرحلة الانتقالية وتحقيق المهام الملحة المرتبطة بها. وقد حددت ساحة التحرير وميادين الانتفاضة، المعايير التي لا تقبل الالتباس لمثل هذه الشخصية، وليست لأكثر من سبب مطالبة بتقديم أسماء مرشحين منتدبين منها. إن مثل هذا الانحراف، من وضع المعايير الى تسمية من يُفتَرض أن تنطبق عليهم، فخٌ يراد منه بث الفرقة والانقسام وتشتيت الجهود واثارة الصراع بين الخيم والساحات ونشطاء الانتفاضة. وقد يحمل في جانب منه، محاولة ركوب الموجة، ومصادرة إرادة المنتفضين لمصالحه وأهدافه المخبوءة، وخدمة تواطؤاتٍ مع من يريد الخروج من الازمة بتجاوز قوى الانتفاضة، وإجهاضها. وحين تتخذ مثل هذه المحاولات طابع الإكراه بالقوة، لا تعود النوايا حمّالة أوجه، بل بيّنة على من أدعى غير ذلك ..!

لقد نضجت الحركة الاحتجاجية الشعبية، ونمت، وارتقت، وعياً وإدراكاً وحضوراً، بحيث صار لزاماً على نشطائها الدخول في حوار مسؤولٍ بناءٍ مُنَزَّهٍ عن أغراضٍ خارج سياقات الانتفاضة وأهدافها الوطنية، لإيجاد إطارٍ تنسيقيٍ موَحِدٍ لساحاتها، تستمد برنامجها وشعاراتها مما نَضُجَ في سياق تطورها، واغتنائها بالتجربة التي تعمدت بالدم والصمود ومقاومة الاغراءات والإملاءات.

إن ساحة التحرير وميادين الانتفاضة والحرية، مدعوة، كمهمة ملحةٍ، الى الشروع ببلورة تصورات موحدة لمسارات عملية التغيير والاصلاح.

Top