تماثيل تخلّد شهداء الانتفاضة العراقية..ساحة التحرير أتاحت الفرص للمواهب كي تختبر قدراتها الفنية

تماثيل تخلّد شهداء الانتفاضة العراقية..ساحة التحرير أتاحت الفرص للمواهب كي تختبر قدراتها الفنية

متابعة الاحتجاج

ينزل الشباب إلى ساحة التحرير يومياً للمطالبة بتحسين أوضاعهم، يرفعون شعاراتهم بأصواتهم أو يكتبونها على اللافتات، لكن الحكومة تواجههم بعنف وصل حد القتل، إلا أن المحتجين من الفنانين لم ينسوا ضحايا القمع فأرادوا تخليد ذكراهم بنحت العديد من التماثيل لهؤلاء الضحايا.

اصطفّت التماثيل التي نحتها سبعة فنانين خارج ورشة مؤقتة في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية، ومعها لافتات تصور المتظاهرين الذين قُتلوا في التظاهرات المعادية للحكومة في الأشهر الثلاثة الماضية.

أحد التماثيل يصور متظاهراً انفجرت في عينيه قنبلة غاز مسيل للدموع، وهو واحد من عشرات الضحايا الذين وقعوا في الاحتجاجات التي انطلقت في أكتوبر وتعد الأكثر دموية منذ العام 2003.

وصوّر آخر سائقاً للتوك توك وهو يقف بجانب سيارته ذات الثلاث عجلات والذي قُتل أثناء إجلاء المتظاهرين الجرحى خلال المصادمات.

ويدخل سواق عربات التوك التوك وسط المحتجين في ساحة التحرير بينما تدوي أصوات طلقات الرصاص في الهواء، ويرتفع الدخان الأسود في الأفق، لإنقاذ المتظاهرين المصابين وحملهم إلى سيارات الإسعاف التي تقف في مكان خارج ساحة الاحتجاجات بعيداً عن رصاص القناصين.

يقول محتجون، إن سيارات الإسعاف، إما لم يكن بإمكانها الوصول إلى الضحايا في الشوارع المكتظة بالحشود أو كانت بدورها أهدافاً للقناصة. ولذلك ملأ سائقو عربات التوك توك، الذين يكسبون عيشهم من نقل الركاب بالمرور في الشوارع، الفراغ الذي تركته سيارات الإسعاف ونزلوا إلى الشوارع لالتقاط الضحايا.

وقال سائق إحدى العربات، إن التوك توك تنقل الجرحى وتساعد المحتجين الذين وصفهم بالفقراء، مضيفاً أن القوات تطلق النار على المحتجين وأن عربات التوك توك تنقلهم إلى المستشفيات.

وهناك أيضاً تمثال ثالث تم تصميمه على شكل يد أحد المحتجين وهو يرفع شعار علامة النصر وصبغت بألوان العلم العراقي.

ويقوم المتظاهرون بالتقاط الصور مع المنحوتات لينشروها على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، يرفقونها بتعليقاتٍ ملائمة يعبرون خلالها عن حزنهم لما يمر به العراق، أو ينتقدون فيها الحكومة العراقية.

وتحولت ساحة التحرير في بغداد إلى ساحة فنية تتنوع فيها العروض منها جداريات تعبر عن آلام العراقيين، وعروض فنية تغني للحرية.

وبالنسبة للفنان العراقي مهدي قرنوس (53 عاماً) فإن المعرض الفني الذي تم افتتاحه مؤخراً في ساحة التحرير بوسط بغداد – مركز حركة الاحتجاج العراقية المعادية للحكومة – يمثل مساهمة شخصية منه بهدف تخليد صورة زملائه المتظاهرين الذين قتلوا وخطفوا خلال التظاهرات التي اجتاحت العراق منذ الأول من أكتوبر.

هذا الفن هو أيضاً وسيلة، كما يقول، للسماح للعراقيين الشباب الموهوبين بنقل مواهبهم ومشاعرهم بعيداً عن العنف.

وقد تأثر العراق بالاحتجاجات التي خلفت ما لا يقل عن 490 قتيلاً، غالبيتهم العظمى من المتظاهرين الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية.

وأدت الانتفاضات الشعبية إلى استقالة رئيس الوزراء السابق، عادل عبدالمهدي أواخر الشهر الماضي.

وقال قرنوس، إنه جنّد سبعة محتجين غير متعلمين وعاطلين عن العمل من ساحة التحرير، وقدّم لهم دورة تكوينية مكثفة امتدت لستة أسابيع قام بتمويلها شخصياً، وبعد ثلاثة أسابيع، تمكنوا من بدء مشاريعهم الفنية الخاصة.

وأضاف، “إننا نرى هذا النشاط كجزء من الاحتجاجات المستمرة ونعتبره نصباً تذكاريا لشهدائنا وزملائنا المحتجين المختطفين”.

وظهر ساحة التحرير كنقطة محورية في الاحتجاجات، حيث مكث المحتجون في خيام. وشارك العشرات في الافتتاح البسيط لمعرض النحت. ولم يحضر الحدث أي من المتدربين الفنيين الذين كانوا يقدمون أعمالهم، وتم حجب أسمائهم بسبب مخاوف أمنية.

معرض المنحوتات في ساحة التحرير يهدف إلى تخليد صورة المحتجين الذين قتلوا وخطفوا خلال التظاهرات التي اجتاحت العراق منذ أكتوبر

وقال قرنوس “لقد أنتج النظام الحالي جيلاً فقيراً في إنتاج ورعاية الفنون. أنت ترى هنا في هذا المعرض أن شعبنا لديه الإمكانات ولكنه يفتقر إلى الطريق الصحيح”.

وقال مرتضى مثنى (23 سنة) فنان وناشط، إن “المعرض رسالة إلى العالم… نحن شعب ملهم للحياة وليس الموت. ثورتنا سلمية ونحن نسعى للإصلاح وليس التدمير”.

وشهدت ساحة التحرير حراكاً فنياً وثقافياً ساهم في بناء وعي الجماهير وشحذ همهم ونقل صورة معبرة عنهم، فصدرت عنهم ثلاث صحف، وإذاعة تنقل الأخبار والأحداث على نحو منتظم، كما نصبت شاشة عملاقة تم توفيرها من التبرعات تنقل أحداثاً مهمة تتعلق بالمظاهرات، وهناك أيضا نشرة إلكترونية، إضافة إلى العروض السينمائية وعروض مسرحية وورشات تكوين الممثلين، ومعارض الرسم المفتوحة عبر فيها التشكيليون عن مشاعرهم ومطالب المحتجين بالألوان، وبدت الطريقة التي عبر من خلالها المتظاهرون عن مطالبهم جميلة ومعبرة قوبلت بالغازات المسيلة للدموع ورصاص القناصة.

ويواصل الرسامون المتطوعون في نفق التحرير تنفيذ العديد من الأعمال على مقربة من الفرق الطبية التي تعمل بدورها على مكافحة قنابل الغاز المسيل للدموع.

وتباينت اللوحات التي وثقت صور الشهداء، منها لوحة لشاب سقط أثناء التظاهرات قرب الجسر الجمهوري المؤدي إلى المنطقة الخضراء.

وأنجزت الشابة فاطمة حسام (20 عاماً) بالتعاون مع آخرين، قبل فترة قصيرة، نسخة عراقية من الأيقونة الأميركية نومي باركر التي اشتهرت في الحرب العالمية الثانية، في إشارة إلى جيل الفتيات اللواتي يشاركن في الاحتجاجات. كما أضيفت عبارة “هكذا هن نساؤنا”.

وتقوم فاطمة اليوم برسم جدارية أخرى، على جانب نفق يمتد تحت ساحة التحرير، لامرأة تلوح بشعار رئيسي للمتظاهرين العراقيين، يقول “نريد وطناً”.

وتحدثت هذه الشابة، “لدينا الكثير من الفنانين في بلدنا، لكن ليس لديهم أي مكان للتعبير عن فنهم، لذا قررنا استخدام ساحة التحرير من أجل ثورة فنية إضافة لثورة بلادنا”.

من جهته، يقول الرسام محمد عبدالوهاب (23 عاماً) “نحن جيل التغيير”.

ويؤكد هذا الشاب الذي يتحلق حوله عشرات آخرون على جانب النفق الذي غطت لوحات جدارية عشرات الأمتار من جدرانه، “هذا التغيير نحو الأفضل”.

ويواصل بجهد رسم خارطة للعراق باللون الأبيض على خلفية سوداء، ليتدرج إلى حافاتها برسم شعارات كتلك التي رفعها محتجون في ساحة التحرير.

في غضون ذلك، يقوم رسام آخر بكتابة كلمة “حب” تضعها أياد ملطخة بالدماء، موضحاً أن عشرات “الشهداء” سقطوا منذ الأول من أكتوبر.

وفيما تواصل السلطات اتهام “مندسّين” بين المحتجين بمحاولة حرف التظاهرات، يؤكد عبدالوهاب “لسنا هنا للتدمير أو الاعتداء على الدولة”.

ويضيف “نريد إعادة الألوان والفرح” في العراق الذي عانى خلال 40 عاماً من حروب متتالية وحصار وعنف طائفي واعتداءات من تنظيمات جهادية.

وأتاحت ساحة التحرير فرصاً متعددة، لمواهب كثيرة، كي تختبر قدراتها الفنية، وكانت النتيجة العشرات من اللوحات والجداريات والتماثيل، التي تمثل مدارس وفلسفات مختلفة، وضعت جميعاً في خدمة حركة الاحتجاج

Top