يكتبها متظاهر
من بين اهم الشعارات التي رفعها المتظاهرون منذ الاول من اكتوبر، شعار ملاحقة حيتان الفساد واجتثاث جذورهم الممتدة في الدولة العميقة. وهي دولة اصبحت بتخطيٍط وتوافٍق وتحاصصٍ بين رموز الطبقة المتنفذة عميقة بخطوطها وشبكاتها التي أصبحت مرتعا لكل عمليات نهب الثروات وإشاعة ثقافة الرشى واللصوصية وشراء الذمم .
واستهداف الطبقة السياسية الحاكمة صحيح، فهم الآباء الشرعيون للفساد المالي والاداري والاستيلاء على الموازنات التي خُصصت للبنى التحتية والخدمات وبيع المناصب الوزارية والدرجات الخاصة والفضائيين في المؤسسات الحكومية والقوات المسلحة وعبر الصفقات الفاسدة بشكل مباشر او من خلال اللجان الاقتصادية للاحزاب والميليشيات. لكن علينا ان لا ننسى "الأم الرؤوم" لظاهرة الفساد التي تمثلها الشركات الحقيقية والوهمية ورجال الاعمال العراقيين والعرب والاجانب. فبدون هؤلاء الأدوات ماكان متاحاً أن يتحول الفساد الى ظاهرة وثقافة تمكِّن الطبقة الحاكمة من تفريغ خزائن الدولة وجمع المليارات في بضعة سنوا تٍ لا غير. لكن الشبكة لن تكتمل من دون اماطة اللثام عن "الطرف الثالث" المتغلغل في الدولة واجهزتها ومن خلالها تتم الصفقات وإحالة المشاريع والاستثمارات والتمكين من اراضي الدولة وعقاراتها، والاستيلاء على عقارات وأراضي المواطنين عبر تزوير سنداتها. وليس في هذه الحقائق ما هو من اسرار الدولة بل هي في متناول العراقيين، وتثار بين آونة واخرى في وسائل الاعلام والصحافة ومنظمات الشفافية الدولية .
ان المصاهرة بين هذا الثالوث الأخطبوط اتخذت صيغة زواجٍ كاثوليكي لا ينفصم ويعتمد بقاء طرف منه على الطرفين الآخرين. ورموز هذا الثالوث ليست سراً فالأسماء، الحيتان منهم واصغر موظف او موظفة يعرفها الناس من خلال احتكاكهم بدوائر الدولة لانجاز معاملاتهم اليومية، يكتشفون كل يوم سعر كل معاملة ومراجعة، وقد صارت الاسعار والمعاملة والدفع وجاهياً وعلناً. فالصغار اما هم مشاركون مع الكبار ابتداءً من مدير قسم حتى الوزير او من خلال مدراء
مكاتبهم أو وسطاء الحزب او صاحب الوزارة!. وطالما سُلطت الأضواء على هؤلاء دون استثناء ومن شاشات القنوات ووسائل الإعلام الاخرى. إن اكبر حيتان ورموز الفساد الاداري والمالي، يجدون مكاناً لهم في الوزارات ومجلس النواب
ورئاسة الجمهورية وشعار الكل، "شيلني وشيلك". لكنهم رغم كل ذلك، والأنكى حتى الآن يفلتون من المساءلة، ويجتمعون لاختيار رئيس وزراء بديل وكابينة وزارية على مقاساتهم .
ان المطلوب هو تفكيك منظومة الدولة العميقة، ودون ذلك يتعذر ضمان اي تقدم على صعيد التغيير والاصلاح. وانجاز هذه المهمة البنيوية يستحيل مع الابقاء على رئيسي الجمهورية والبرلمان، لانهما يشكلان الوجهين الآخرين للطبقة السياسية ويتشاركان معها في التغطية والإسهام بارتكاب المجازر التي ارتكبت وراح ضحيتها الآلاف من الشهداء والمصابين والجرحى. وبخلاف ذلك فإن الرئيسين وهما يكلفان بحسم اختيار رئيس الوزراء الجديد وكابينته والاشراف على المرحلة الانتقالية بما في ذلك قانوني الانتخابات ومفوضيتها العليا ليسا بمعزل عن اقطاب العملية السياسية ورهاناتها على اعادة تدوير فضلات منظومتها المتحللة .
إن على ساحات الاعتصام تأكيد مطالبتها باسقاط المنظومة برئاساتها الثلاث والشروع بفتح ملفات الفاسدين في مجلس النواب اولا، فقد تسلل الى صفوفه حيتان مشهود لهم بالسطو العلني على المال العام، احدهم صاحب مصرف مشهور على صعيد تبييض وتهريب وشراء العملة من نافذة البنك المركزي والآخر يمكن لاي صاحب مطبعة تقديم معطيات عن سرقته وزارة التربية ليس بمعزل عن الوزراء المتعاقبين عليها، ومعهم العشرات من اللصوص والمرتشين من المستويات المختلفة.