الجمهوريات المتخيلة، التحرير نموذجاً

زهير كريم 2019/12/15 07:59:04 م

الجمهوريات المتخيلة، التحرير نموذجاً

 زهير كريم 

يقولُ الشاعرُ الألماني ( هينريش هاينه ) سواءٌ نجحتْ أم فشلتْ الثورةُ، فإن الناس ذوي القلوب الكبيرة سوف يضحّون دائماً من أجلها.

وفي الحقيقة أردتُ التوقف عند كلمة ( نجحتْ) فسألت نفسي هل المعنى الحقيقي لها مرتبط بالنتائج التي تحققها على مستوى نقل السلطة، واستبدالها في النهاية بطبقة سياسية أخرى، تطبق ربما بعض الرؤى الإصلاحية، أو تفشل فتتحول الى نسخة قديمة تحتاج الى ثورة هي الأخرى. أم إن النجاح هو المشهد البصري المعروض أمام العين، والذي يترجم كلمة تغيير، الثقافي والاجتماعي.

أنا اعتقد إن ما حدث في تشرين ومازال مستمراً طرح لأول مرة، وبشكل جاد، أسئلة مهمة تتعلق بقضايا إشكالية رافقت نشوء فكرة الدولة العراقية، أسئلة اجتماعية وثقافية وسياسية، وهذه الطروحات ذو الطابع النقدي، هي بداية تشكيل وعيِ يحاول زعزعة الأنساق القديمة الخجولة المتردّدة، وعرضها بكل شجاعة أمام النقاش والتفكيك. نأخذ مثلا فكرة الوطن نفسها، الفكرة التي لم يتعامل معها العراقيون بمختلف أجيالهم بجدية، ساهمت ربما الدكتاتورية في صناعة الإرباك في التهاون بشأن التأسيس لها، والايدلوجيات المتصارعة على السلطة، وأيضاً الشعور بالتشتت أمام الانتماءات المتنوعة، الطائفة، الدين والعشيرة والحزب القومية وحتى المناطقية.

وأثناء هذا التشتت والإرباك في تأسيس القيم الوطنية بمفهومها المتعلق بالعقد الاجتماعي أو دولة المواطنة، يشكّل الحلم ملاذاً للباحثين عن مثال جغرافي على هذا الكوكب المضطرب الذي يعتبره اليائسون تمثيلاً للدستوبيا، المثال الحلمي هو شيء يشبه المدينة الفاضلة بمفهومها الاخلاقي برؤى حديثة. وقد خاض بعض من الحالمين الرومانسيين بالفعل تجارب لخلق أمكنة هي عبارة جيتوات، منها زراعية بدائية بعيداٌ عن التعقيدات التي انتجتها الحضارة، أو تجمعات جندرية ارتبطت بأفكار الحركة النسوية، أو تشكّلات أيدلوجية منعزلة. أوجماعات دينية محافظة، أو تجمعات مرتبطة بنزعات فلسفية تتعلق بموقف ضد فكرة العمل في ظل إضطهاد رأس المال للكيانات العاملة.

و ماحدث خلال شهرين تقريباً من الحراك الاحتجاجي في العراق، هو في رأيي محاولة جادة لتشكيل صورة حلمية نموذجية،في البداية كانت عفوية حركتها الطبيعة الغائبة للعدالة، وضرورة الإصلاح، لكنها أصبحت مع مرور الوقت أكثر وضوحاً قابلة لتكون بناءٍ بمعمار فلسفي يحاكي جمهورية الحلم والعدالة والحرية، جمهورية الفن والموسيقى والأدب، والسينما والرياضة والتنوع الثقافي بشكل عام، مكان يحكمه قانون الحقوق والواجبات، احترام الذات، والإرادة الحرة، حيث يظهر الاتفاق على الحلم بشكل عام رغم بعض الخروقات، والتضامن بين سكان التحرير هما الساندان الكبيران لمواصلة الحلم في مكان لم يعد متخيلاً  فقط، بل هو ممكن التطبيق فعلاً، ومايحدث هو تمرين لصناعة نموذجِ وطنٍ من المفروض أن يحتضن الجميع.

Top