أشهد أنها فعلة قاتل مُجَرّب

متظاهر 2019/12/14 10:00:23 م

أشهد أنها فعلة  قاتل مُجَرّب

 بقلم متظاهر

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي، مثل النار في الهشيم جريمة الوثبة. الجريمة التي هزّت الوجدان والضمير والقيم الانسانية. وتجاوزت من حيث التنفيذ في وضح النهار كل معايير الجريمة التي توضع في خانة التوحش والاختلال العقلي والأخلاقي.

ومن حيث دلالتها ومراميها وتوقيتها إنما هي كشف لمن يقف وراءها ويستفيد منها. فهي حلقة في وقائع متصلة من محاولات كسر ارادة المنتفضين من بينها واقعة الجمل ومجزرة السنك والخلاني، ببشاعتها وافتقار مرتكبيها للحساسية الانسانية.

لما خلفته من صدمة وترويعٍ واستهتارٍ واستخفافٍ بقيمة الانسان وإن كان المجني عليه في حادثة الوثبة "افتراضا" مشتبه به بجرم مشهود. فالمجرم وفقا لكل الشرائع الدينية والوضعية، بريء حتى تثبت إدانته امام القضاء. منذ اللحظات الاولى لانتشار مشاهد الجريمة، بادرت ساحات التحرير والمتظاهرون وخيامهم على امتداد البلاد الى شجبها وإدانتها والتبرؤ من مرتكبيها المجرمين، الذين لا يجمعهم جامع مع قيم ومبادئ وأخلاقيات المتظاهرين الذين قدموا مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين في سبيلِ هدف نبيل اختزلوه بشعار "نريد وطن". وطنٌ مبتلى منذ 2003 وعلى تتالي حكوماتها بسلطة طبقة فاسدة شددت قبضتها على العراقيين بقوة ميليشياتها المسلحة المنفلتة من كل قيد وحرمة وقانون وبأدوات فسادها ونهبها للمال العام وتهرئة بنية دولتها التي ماعادت حتى شِبه دولة، بل أقرب الى كيان هجين مشوه ، بعد أن تآكل نسيجها بفعل عمليات "الدمج" سيئ الصيت والأثر. وأول ما تبادر الى الذهن، استذكار واقعة الجمل في ساحة التحرير، ثم المجزرة الليلية في الخلاني والسنك، ووقائع القنص المقصودة، وعمليات الاغتيال والملاحقة والاعتقال وإشعال الحرائق في الممتلكات الخاصة والعامة، ومثيلاتها في مدن وميادين التظاهر والاحتجاج والاعتصام في الناصرية المنكوبة والنجف المحترقة وكربلاء الشهيدة، وسواها من مواقع الاعتصام. وهي ارتكابات استفزت الضمير الانساني في كل انحاء العالم فاستنكرتها ونددت بها ووجهت اصابع الاتهام الى الحكومة واجهزتها الامنية وميليشياتها. وقد أفادت تلك الاستذكارات بترابط خيوطها ومراميها، لتسلط الضوء على الجناة. ولتتكشف بجلاء هوية المستفيد منها الذي أُسدل الستار عنه بقصدية جرائمية ليتبين انه ليس سوى ما سمته الحكومة نفسها بـ"الطرف الثالث"، لإبعاد الشبهات عنها، دون ان تعي بان هذا الطرف ليس سوى الوجه الخفي المفضوح للطبقة الحاكمة المتفسخة وسلطتها المتهاوية. وإذا ما وضعنا كل وقائع الجرائم التي ارتكبتها السلطة منذ انطلاقة انتفاضة اكتوبر دون ان يرف لها جفن "للأصنام الثلاثة" القابعين في قصورهم الرئاسية، لاتضح انها هي المستفيدة من جريمة الوثبة بامتياز. لقد فشلت السلطة السياسية بقوات "مكافحة الشعب" ، ووسائلها القمعية غير المسبوقة وبأذرعة ميليشياتها المسلحة في كسر ارادة المتظاهرين المصممين على استعادة وطنهم وانتزاع حرياتهم وكراماتهم المنتهكة. فلم يبق أمامها سوى اعادة مسرحياتٍ تدل على سذاجة مخرجيها، وقلة حيلتهم. فاسنسخت واقعة الجمل، ثم مجزرة السنك والخلاني، بهدف اثارة الهلع في صفوف المعتصمين وانهزامهم تحت قوة الرصاص العشوائي والأسلحة المتوسطة، وبدلاً من تحقيق هدفها، تحولت الى فضيحة مدوية. ولم يبق أمامها سوى تشويه صورة المتظاهرين السلميين بتوجيه الأنظار اليهم واتهامهم بارتكاب جريمة الوثبة في وضح النهار وأمام المئات من المواطنين. وفات المرتكبون ان الفيديوهات والصور التي انتشرت لوقائع الجريمة أظهرت قوات الامن برتبهم العسكرية وهم يقتحمون منزل الضحية ويسلمون جثته لأشخاص وسط الجمهور. لقد تعرض المتظاهرون في ساحة التحرير لكل اساليب ووسائل العنف المفرط، كما تعرضت لها الساحات الاخرى، دون أن يتخلوا عن سلميتها، وينكسوا راية عراقهم المُغتَصب. بل انهم حافظوا على حياة "المندسين" الذين القوا القبض عليهم بالجرم المشهود ومن بينهم من كان يحمل السلاح ويوجه الرصاص على المتظاهرين ورجال الامن في ذات الوقت، كذلك لم يحاول احد منهم ان يواجه المعتدين عليهم باي اداة جارحة حين تعرضوا للهجوم بالسكاكين والعصي فاُصيب العديد منهم بجروحٍ كادت ان تودي بحياتهم .

هل يمكن لهؤلاء المستعدين للموت دفاعاً عن قضيتهم العادلة، أن يتجردوا من حساسية ضميرهم وإنسانيتهم فيمثّلوا بجثة غلام ويعلقونها على عمود ليتحول الى مشهد ادانةٍ وتشويهٍ لمن "يريد وطنا" آمنا مستقرا معافى؟..!

أشهد انها جريمة تشبه مقترفيها الذين كانوا وراء "ضياع الوطن".

Top