دولة الطرف الثالث، والرصاص المجهول...!

متظاهر 2019/12/08 08:55:24 م

دولة الطرف الثالث، والرصاص المجهول...!

 يكتبها متظاهر

كما  هو مرسوم لها من دورٍ وسيناريو كتبهما وأخرجهما متمرس في مشاهد الدم، دخلت  قطعان ملثمة محصنة بهويات قوات الدمج المعروفة، وسياراتها رباعية الدفع،  لترش المتظاهرين السلميين المعتصمين في ساحتي الخلاني والسنك برصاصٍ  مستوردٍ كتب عليه: "رصاصٌ مجهول"..!  وبذلك ازدادت المجاهيل القاتلة، بعد  ان ابتدعت القيادات الحكومية العليا كُنية "الطرف الثالث" المجهول طبعاً.

وقد اعتادت الشعوب المبتلاة بالأنظمة الاستبدادية، على مصطلح "سُجل ضد مجهول" لغرض التغطية على جريمة مبيتة بقصد حكومي، مرتكبة من قبل أجهزتها معروفة دوافعها، للتخلص من معارضيها السياسيين، أو من فقد صلاحية الخدمة في المهمات القذرة، أو صار بقاؤه يشكل خطراً لاطلاعه على خبايا يقتضي أن تُسدل عليها سُتر النسيان.

لكن "كُتِب لمجهول"  لم يعد صالحاً لطبقة سياسية باتت الكبائر بالنسبة لها ثقافة علنية. وهل ما هو أكبر من جرائم النهب والسلب والفساد والتعديات على المواطنين؟، وبيع الوطن في سوق النخاسة؟. فالبديل المتماهي مع هذا السلوك الذي ينطوي على الاستفزاز والاستهتار يجد ترجمته في نحت مصطلحاتٍ وتسمياتٍ لا تخفي الوقائع وانما تحورها بهدف تضليل الرأي العام. فالدولة كما عبرت عن نفسها منذ الاول من تشرين، ومع تتالي الاحداث والوقائع الاجرامية، صارت لا تعرف، ولا تسمع، ولا ترى. فالقتل الجماعي، واستهداف المتظاهرين بالرصاص الحي، لا علم لها بمن اصدر قرار استخدامه. مع ان الرصاص والقنابل المسيّلة للدموع استمرت تحصد مئات الارواح. والقنّاصة "مجهولي الهوية" ولا علم لأي مسؤول حكومي مدني او عسكري او امني بهويتهم ومن يقف وراءهم. وكذلك الامر بالنسبة لعمليات الاختطاف والاعتقال والاغتيال.!

 وبعد ان أستُهلك مصطلح الطرف الثالث، وبانت حقيقته أمس الاول عند اقتحام جماعة "المختار" اصحاب صولة الجمل التخريبية لساحة التحرير. وأمس الاول شهدت ساحتا الخلاني والسنك، هجوماً مسلحاً لقطعان ارتكبت مجزرة جديدة بحق المتظاهرين السلميين، وتبين ان القتل العشوائي تم "برصاص مجهول"!.

 قائد عمليات بغداد يقول إن ما جرى سببه منع المتظاهرين لانتشار الجيش وتموضعه في ساحتي الخلاني والسنك. ما سمح للرصاص المجهول ان يحصد مئات الشهداء والمصابين. وكأن حماية المتظاهرين لا تتحقق الا اذا سُمح لقوات السيد القائد بالتموضع داخل الساحات وبين خيمهم وفي طوابق المطعم التركي، وهو ما يسهل عليه التحكم في كل ما في الساحة. ومع ان قائد العمليات صاحب خبرة ودراية بالتحصينات العسكرية فهو يعرف ان الحماية المطلوبة تتحقق في دائرة آمنة في محيط الساحات وليس في داخلها وهو ما لم يمنع المتظاهرون تموضع الجيش والقوات الامنية فيه. ولا يكتفي السيد بهذا التموضع بل يريد ان يعرف من يمثل هذه الساحات وله سلطة التمثيل والقرار. اما وزارة الدفاع فهي تؤكد استمرارها بالتحقيق في حرائق المطعم التركي لان تحقيقاتها لم تتوصل الى معرفة الفاعل، لانه قد يكون "هاوي حرائق مجهول"!.

 ولان الحكومة لا تعلم، ولا تعرف، ولا ترى، فان الملثمين القتلة الذين اقتحموا ساحتي السنك والخلاني لم يُكتَشف لهم اسم، ولا ينطبق عليهم مفهوم الطرف الثالث، لكنهم استطاعوا معرفة الرصاص القاتل باعتباره رصاصاً مجهولاً ظل بلد منشئه غير معلوم، وقد كتب على حاوياته "صُنع في مجهول"..

 ان دولة اللاءات الثلاث، لا اعرف، لا اسمع، لا ارى، تقول إن بلادنا على مفترق طرق، كل اتجاه فيه مجهول وهي بهذا تستحق ان تكون بامتياز.. دولة الطرف الثالث، والمصير المجهول..!

Top