يوميات ساحة التحرير..زهرات تشرين يهتفن (صوتي مفتاح لكل ثورة)

Friday 14th of February 2020 07:51:14 PM ,
العدد : 103
الصفحة : قصصهم ,

 ماس القيسي

انجبت نصف المجتمع لتربي نصفه الآخر، هذا ما عكفنا على سماعه منذ نعومة أظافرنا ولكن كيف بوسعها أن تؤدي دورها الريادي في الرعاية والتربية وبناء جيل واعٍ سليم، وهي مكبلة بقيود اجتماعية مرتبطة بموروثات عقائدية، وإن صرخت روحها منتفضة مناجية الحياة فلابد لقيد الطغيان أن يكسر.

في سابقة من سابقات هذا العصر من تاريخ العراق المكبل بالنزاعات السياسية والدينية والعرقية وبعد مرور عقد ونصف على محاولة إخماد موقفها وإسكات صوتها تحت سطوة رجال الدين ورجعية العادات والتقاليد البالية، تعود المرأة العراقية منذ أوائل ثورة تشرين لتحل مكانتها الحقيقية الرائدة بين أوساط شعوب العالم، تعيد مجد شبعاد السومرية وعشتار البابلية وسميراميس الآشورية، تلك هي الرافدينية حين تنطق بصوت الحق تخرس أفواه الجور والظلام. من قلب التحرير أجهزت نساء العراق على المسير في انتفاضة نسوية حاشدة بعنوان (الثورة البنفسجية) في يوم الخميس المصادف 13 من شباط 2020 ترد فيها زهرات تشرين على أصوات النشاز الخارجة عن مبادئ الوعي الإنساني، لتقول بهتاف صارخ:" (هاية بناتك يا وطن هاية، ضحت بدمها رفعت الراية) .

صوت بنت الرافدين مفتاح للثورة العراقية وبهذا الصدد تقول لينا أحدى متظاهرات ساحة التحرير:” تم الاتفاق على هذه المسيرة النسوية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنت بالصدفة مع عيد الحب ولكننا ارتأينا ارتداء الزي الوردي والبنفسجي لإبراز دور المرآة في الثورة، وإثبات وجودها كمساند وداعم لثوار منذ بادية التظاهرات وليومنا هذا في كل المحافظات العراقية المنتفضة، واليوم في التحرير إقبال النسوة والحضور جيد جداً أكثر من المتوقع ونحن فخورون بذلك".

وعن الإشاعات المسيئة التي تنال من صورة المواطنة العراقية المشاركة في ساحات التظاهر تعقب لينا قائلة:" صدرت بعض الأقاويل الزائفة من قبل رجال دين أو رؤساء أحزاب ممن اثبتوا فشلاً ذريعاً في حكمهم للعراق، وعلى مدى ستة عشر عاماً هم اليوم يصرحون بأن المرأة عورة و تواجدها مرفوض في التظاهرات، بينما في حقيقة الأمر القتل والإجرام وسفك الدماء هو العورة"، وعن فكرة الاختلاط بين الجنسين في ساحات الاحتجاج وربطها بالفسق والفجور من قبل مدعي الشرف من أراد تشويه الثورة تضيف لينا بقولها:" ليس بالشيء الجديد الذي يثير استغرابنا وحفيظتنا ، هذا هو المجتمع العراقي ذاته بهيئته وزيّه وأخلاقه وسلوكياته، منذ عقود في فترة الخمسينيات ونحن نلحظ من التاريخ تواجد الجنسين في العمل والشارع وكل مسالك الحياة اليومية، فقد تخرجنا سوياً من الجامعات واختلطنا في العمل المهني ، فلم اليوم تحديداً يتم التركيز على هذه النقطة" منوهة الى أن الاختلاط حالة طبيعية في البرلمان ودوائر الدولة، وحتى في الزيارات الدينية! وتقول بخصوص ذلك:" رموزهم الدينية من النساء لها الدور الفعال في تحشيد النسوة ليكونوا بجوار الرجال في قضاياهم، زينب هي من أكملت ثورة أخيها الحسين من بعد استشهاده". مشيرة الى ضرورة عودة من يجهل دينه الى قراءة التراث الإسلامي والشيعي بالأخص!، ولا يستقطع الحدث ويجند الناس ويسير العقول حسب متطلبات المصلحة المواتية.

صمدت المرأة يد بيد الى جانب أخيها الرجل منذ أول أيام الثورة وبهذا تستأنف لينا حديثها قائلة:" لقد انتهكوا حرمة نخبة العراق من الشباب والفتيات من ذوي الشهادات العليا وهذا الأمر كان أشبه بالشرارة التي أطلقت الثورة، واليوم نحن لن نتراجع ولن نسمح لأي فعل مشين من أي جهة أن يفرقنا ويخمد حراكنا"، تشير بذلك الى بعض التصرفات الحمقاء من خلال جلب فتيات ترتدي زي معين غير أخلاقي الى الساحات بدعوى تشويه سمعة الثائرة العراقية، مؤكدة على أن الشرف موقف وليس رداء بقولها" المرأة في هذا القرن مهندسة وطبيبة، مخترعة وعالمة وتقود شعوب بأكملها، فلنكتفي عن إثارة سخرية الناس في البلدان الأخرى، ثورتنا أصبحت ملهمة تستقطب الرأي العام وتحث شعوب العالم للنهوض والتغيير". فإن ما يوحد صفوف الثائرين هو حبهم لوطنهم ولن يستطيع أيا كان تفريقهم.

بينما تقول الثائرة ليليان (طبيبة بيطرية):" شاركت في تظاهرات ثورة تشرين بيوم 26 أكتوبر ولهذا اليوم ولن يمنعني عنها سوى الموت" وعن المسيرة النسوية تعقب قائلة:" هذا اليوم مميز جدأ وأنا أعده من أسعد أيام حياتي، لأني شاركت بهذا الحشد النسائي المشرف ودوره في رد اعتبار الأنثى العراقية لما تعرضت له من إهانات، بسبب الأفكار القبلية والرجعية التي انتهى زمنها، لولا المرآة لانتهت الثورة، إذ تعد العمود الفقري الذي ترتكز عليه في صمودها".

في حين تؤكد علية جاسم على مطلب النساء الذي لا يختلف عن الرجال بقولها:" الحرية من الأحزاب الفاسدة الجاثمة فوق صدورنا هي غايتنا، وإن تواجدنا كنساء في الساحات مهم وقد بذلنا كل ما نستطيع في سبيل دعم الثورة، ولن نتراجع".

من جهة أخرى تشدّد نغم يوسف على الاعتزاز بهذا المسير النسوي قائلة:" فخر أن أكون اليوم متواجدة في حفل ثوري أنثوي، لأول مرة أجد المرأة العراقية تصرخ وتندّد"، وعما يشاع بحق الأنثى المنتفضة، باسم الدين تقول:" لا يجوز خلط الدين بالسياسة، عليهم فصل الأمور عن بعضها، منصبهم السياسي لا يخول لهم التدخل في شؤون الناس سواء دينية أو غيرها".

وتقول زهراء: “الدعم المعنوي والمادي للثورة مستمر من قبلنا، ولن نترك شبابنا بمفردهم في الساحات". كما ترد هاجر يوسف على من يطعن بهن بقولها: “شاركت المرأة العراقية كمسعفة ومنظفة ومعدة للطعام وساعدت أخيها الرجل بكل ما تستطيع، وبالنسبة لمن يحاول إهانتها أقول له، إنها أكثر رجولة منك!". أرض الرافدين لن تمضي قُدماً بفراتها دون دجلة، ولوحة العراق لن تكتمل بنوارسها دون النخيل الباسق الشامخ الذي يمثل نسوة الوطن، فما أن نكون جميعاً أو لا نكون، وعلى من تسول نفسه أن يتذكر قبل محاولة تفكيك فسيفساء المجتمع العراقي بجنسيه، أن الأنثى إنسان قبل أي شيء.