العمامة والصولجان: الإسلام السياسي، نهاية الثنائية في مواجهة التغيير!

Sunday 2nd of February 2020 09:51:14 PM ,
العدد : 91
الصفحة : المقالات , متظاهر

 بقلم متظاهر

شهدت التطورات المتسارعة، خلال اليومين الفائتين، تكليف الدكتور محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، بالتزامن مع تغير دراماتيكي في موقف السيد مقتدى الصدر من الاعتصامات، وإقدام القبعات الزرق على احتلال المطعم التركي، وتعرضهم للمعتصمين بالعصي واللكمات، والعودة إلى ممارسة الإملاء والتضييق.

لكن الأشد وقعاً تمثل في دعوة الصدر لفض إضرابات الطلبة وما يوحي بتفكيك الساحات، والتعاون مع "القوى الأمنية الوطنية" في إنهاء قطع الطرقات، وسوى ذلك مما يعلن نهاية تشاركٍ شعبي في الانتفاضة، لعب التيار الصدري دوراً مؤثراً فيه.

ومن حق السيد الصدر أن يتخذ ما يراه من سياسات ومواقف، تنسجم مع مصالحه وتعكس تحالفاته الجديدة، التي وجدت تعبيرها في التوافق بين "سائرون" و"الفتح" في تكليف الدكتور علاوي بتشكيل الحكومة. وله أيضاً تغيير نهجه ومواقعه من الانتفاضة والإملاءات الخارجية، لكن من حق مخالفيه عليه، احترام إرادة المنتفضين المدعومة من أوسع أوساط العراقيين المتعاطفين مع حركتهم، وخياراتهم السلمية، التي كان هو جزءاً من أساسها حتى الأمس القريب.

إن الاختلاف في الرأي والخيارات ينبغي ألا تُفسد في الود قضية. ومع أن الشعب هو الكتلة الأكبر، وساحات الاعتصام والمتظاهرين هم من يشكلون عماد الشعب كما قال هو دون التباس، فإن أحداً غيرهم دون استثناء ليس له الحق في مصادرتهم هذا التمثيل الرمزي. حتى وان اختار أي طرف في الانتفاضة إعادة النظر في خياراته، بالعودة الى التحالف الشيعي الذي أعيدت اللحمة اليه في "قُم" والتحول إلى طرفٍ في تقرير وجهة الحكومة التي تتشكل.

إن ذلك يظل خياراً ليس من شأنه تغيير رأي العراقيين وانتفاضتهم، بالطبقة السياسية المتنفذة التي ظل سماحة السيد مقتدى يحرض طوال سنوات على إزاحتها من المشهد السياسي باعتبارها حاضنة للفساد والتبعية للغير، والمسؤولة عن الكبائر من الارتكابات الجرائمية، بسفك دم خمسة وعشرين ألفا من المصابين والجرحى وأزيد من ألف وخمسمائة من شهيد و"حصادٍ وفيرٍ" من الاغتيالات والاختطاف والاعتقالات والتعذيب، الذي لا يختلف عما كان يُمارس في ظل النظام البائد، دون استثناء المستور "حتى الآن" منْ اغتصاب ومحرماتٍ تتنافى مع الشرائع السماوية والقيم الانسانية وحقوق الانسان!.

إن التكليف الرئاسي للدكتور علاوي جاء بالتوافق بين الكتلتين اللتين جاءتا بالسيد عادل عبد المهدي إلى رأس الحكومة. وهو الآخر مختلف عليه من الطبقة الحاكمة، ويتعارض مع المعايير التي أعلنتها ساحات الاعتصام والحرية، التي استقبلته بموجة شعبية غاضبة رافضة، ويتناقض صراحةً مع ما أكدت عليه المرجعية العليا في النجف. وكان على رئيس الجمهورية أن يتنبه لكل هذا دون الخضوع لضغوطاتٍ تتنافى مع الدستور!

ورغم كل ذلك، فإن الالتزامات التي أعلنها المكلف بتشكيل الحكومة، لم تحم المعتصمين في ساحة التحرير من الاقتحام العدواني للقبعات الزرق واحتلال المطعم التركي عنوة. ولم يصدر عنه ما يستنكر ذلك، ويتساءل عن المرجعية الرسمية لقوة لا تحمل اي صفة تربطها بالدولة.

على الدولة العميقة التي صارت عنواناً لأركان السلطة الامنية وما سُمي بالطرف الثالث أن تحدد بوضوح "هوية" العصي والهراوات وما إذا كانت "أدوات سلمية" جائزة الاستخدام، أم أنها خلاف ذلك. وفي كل الأحوال، هل من حق المنتفضين والمتظاهرين الدفاع عن أنفسهم بها درءاً لهراوات وعصي الخارجين عن القانون أياً كانت ألوان قبعاتهم، أم انها تُخلّ بسلمية انتفاضاتهم؟.

الرئيس المكلف قدم بالصوت والصورة برنامجاً ووعوداً لا تختلف عما قدمه سلفه السيد عبد المهدي، ويبقى المهم هذه المرة ما سيشهده الواقع المُعاش من "طراطيش" برنامجه. فدائماً ما يجري التأكيد على ان النتائج هي القرينة والبرهان على صدقية الوعود.

إن ما يشهده الاسلام السياسي، كحركة وكظاهرة، من حالة احتضار سريري طويل، في العراق ومرابضها في العالم العربي، يقاوم الموت، لكنه يكافح حتى لا يشيع إلى مثواه الأخير، وألا "يستسلم" قبل تحويل نتائج هزيمته إلى وباء كارثي، انتقاما من الشعوب التي استفاقت من أوهامها وراهنت على نظامه كبديلٍ لــ"حكمٍ رشيد"، بان فاضحًا، فاسداً، موسوماً بالدونية الاخلاقية والسياسية.

إن العمامة التي تجاهد للتمايز عن صولجان الإسلام السياسي، قد تعكس جانباً من هذا الموات المتدرج، فيما الدولة المدنية الديمقراطية هي التي تحمي إيمانية العمامة، من صولجان سلطة الاسلام السياسي الفاسد.!