بيبلوغرافيا الجسر

المقالات 2020/02/24 07:31:11 م

بيبلوغرافيا الجسر

أحمد ساجت شريف

الجسر نزيف أرواح لا تهدأ يعبر النّهر برشاقة أنثى من أجل سعادة مخبوءة، اليقين أنَّ النَّهر يتلو ظلَّ الجّسر ويرشق الأرواح التي تعبر برذاذ اللّغة الحبيسة في الموج!

هذه دهشة أنْ نعبر فيما الخطوات تبقى هناك تُرتل حلمَ يوم عابر أو القليل من الألم الذي يتلاشى كلما تمرنت الغيمات على رقصة مفترضة..

الجّسر المرتفع يشعل تحت جلد المدينة صهيل الغرقى ويغرق كلَّما مرَّ شيخ مسن يتصفح أخبار الحوادث ويمسك بخيط ذكرى، الجّسر المنخفض أحد ألقاب العمر!

أعرف صيادًا يعمل سائق شاحنة في الصّباح وكلّ المساء منذور للنهر، يرمي صنارته بحكمة ويبحر لوحده في تأمل طويل، قتل ولده بمشاجرة ومات رفيقه في الصّيد بذبحة صدرية وقضى أخوه قبل أعوام طويلة قتلًا بالحقن في سجن سري!

سألته كثيرًا عن مكانه الذي لا يتغير، قال لي: أشعر بصدق أنَّ الأرواح التي هاجرت تقف في منتصف الجّسر وتحدق بي كلَّما اصطدت سمكة! هل ثمة فرح أكثر من أنْ تستشعر وجود من تحب وإن لم تره!

الجّسر

قلادة المدينة... وربَّما قيدها

وهو بكلّ تأكيد نزيف الصّياد ورئته التي ترتسم هواءً على الضفة!

ليتني أعبر تلك الرحلة دون أنْ ألتفت كلّ مساء أقف في الصّوب الميت من المدينة بيدي الكثير من الترهات، ورسائل العميان، وتعاويذ لا تحصى وصورة طبق الأصل من حياة تالفة تركها القدر في جيبي! اعبر وأصل.. 

هذه الزّقاق أعرفها نصف مشلولة، ساقها معطوبة منذ آخر حرب، وعينها لا تترقب ضوءًا، مع كلّ بيت تولد لافتة نعي.. ومع كلّ مساء تتراشق النّسوة بالمواويل الحزينة من أجل بلوغ النّشوة!

هذه الزّقاق أعرفها جيدًا كانت تنبض في الصّباح ولكنًّها الآن

وردة نافقة في كنف الجّسر الوحيد!

Top